تبقى منتظراً وصول "السرفيس" على قارعة الطرقات لساعات وساعات، وعندما يلوح لك بعيداً في الأفق يتدفق هرمون السعادة في دمائك، كيف لا وقد جاء الخلاص أخيراً !! تتدافع الجموع الحاشدة في سبيل حجز المقعد الذهبي ليبادرهم سائق السرفيس بقوله "مو طالع". يتبدد الحلم ويتلاشى سراب الراحة وتبحث عن طرق بديلة للوصول لوجهتك المقصودة فتشاور لتكسي عمومي لتسمع أيضاً نفس العبارة "مو طالع" !! لذلك عزيزي المواطن لا خيار أمامك سوى شراء دراجة هوائية وإن لم تستطع تدبير ثمنها، في أسوأ الأحوال لا زال لديك خيار رياضة المشي. لا يوجد مازوت .. المبرر الأول والأخير لعدم قدرة سائقي وسائل المواصلات العامة في مدينة دمشق القيام بمهامهم، فقد علمتنا الحرب أنه عندما يبدأ الناس بفقد أعصابهم من أزمة "الماء" مثلاً تظهر أزمة جديدة لتتصدر الواجهة كأزمة "المازوت" أزمة قديمة جديدة لا تزال مؤرقةً للجميع في هذا الفصل البارد، الذي بات يدفع للكآبة لكثرة نفقاته وأزماته. ومع ارتفاع السعر الرسمي الأخير للمازوت إلى 180 ليرة/ ليتر، ارتفع هَمّه المادي أولاً، ليصل إلى 36 ألف ليرة (مساوٍ أو أعلى من راتب شهر عمل كامل) كحد أدنى ثمن 200 ليتر هذا في حال توفره طبعاً. وفي الوقت ذاته، نجد أن المازوت يتوفر في «السوق السوداء» وبسعر يصل إلى 300 ليرة/ ليتر، الأمر الذي يثير التساؤل عن كيفية وصول المادة لأولئك التجار، ويكشف حتماً فساد العاملين في هذا المجال وعدم القدرة على ضبطهم أو محاسبتهم وربما عدة وجود رغبة حقيقية بذلك. يبقى سائقو السرافيس ساعات وساعات في محطات الوقود بدمشق بانتظار الحصول على عدد ليترات معين وطوابير الانتظار تكاد تصل للانهاية. ويبقى المواطن يلف الأصقاع سيراً على الأقدام ريثما تُحل أزمة المازوت وتظهر أزمة أخرى جديدة لتجهز على ما بقي لديه من صبر.