تكبد الجنيه الإسترليني خسائر فادحة خلال عام 2016 مقابل جميع العملات الرئيسية والثانوية ، جعلته بلا منازع الخاسر الأكبر من بين جميع العملات العالمية خلال العام المنصرم ،وتعود هذه الخسائر إلى سبب رئيسي ومباشر هو انفصال المملكة المتحدة البريطانية عن الاتحاد الأوروبي اقتصاديا وسياسيا ،وكان هذا الانفصال هو محور اهتمام جميع الأسواق المالية حتى قبل دخول فترة انتخابات الرئاسة الأمريكية ،دفع هذا الانفصال البنك المركزي البريطاني إلى خفض أسعار الفائدة بربع نقطة مئوية للمرة الأولى منذ عام 2009 ،بهدف دعم الاقتصاد الملكي فى مواجهة آثار الانفصال والذي سوف تبدأ إجراءاته خلال الربع الأول من 2017. خلال تعاملات عام 2016 فقد الجنيه الإسترليني نسبة 16.5 بالمئة مقابل الدولار الأمريكي ،فى ثالث خسارة سنوية على التوالي ،وبأكبر خسارة سنوية منذ عام 2008 أيان أزمة الديون العالمية التي ضربت الأسواق المالية ،وخلال العام المنصرم سجل الجنيه مستوي 1.1995 دولار أمريكي وهو أدنى مستوي منذ آذار مارس 1985. ومقابل العملات الرئيسية الأخرى فقد الجنيه نسبة 15.5 مقابل العملة الأوروبية الموحدة اليورو ، ومقابل الين الياباني انخفض بمقدار 18.5 بالمئة ،ومقابل الفرنك سويسري تراجع بنحو 15 بالمئة ،لتكون العملة البريطانية الخاسر الأكبر خلال عام 2016 بدون أي منازع . العديد من الأسباب وعلى رأسها أزمة المهاجرين دفعت ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني حينها إلى تحديد 23 حزيران / يونيو لإجراء استفتاء عام فى البلاد حول الانفصال عن الاتحاد الأوروبي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وكانت معظم استطلاعات الرأي قبل الاستفتاء تظهر تقدم ملموس لمعسكر المؤيدين للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي على معسكر مؤيدي الانفصال،حيث كانت حكومة كاميرون تقود حاملة واسعة لرفض الانفصال والبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي ،بالإضافة إلى تحذيرات معظم قادة بلدان القوي الاقتصادية الكبرى من مخاطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقبل الاستفتاء حذر أيضا المستثمر الملياردير جورج سوروس الذي حقق أرباح طائلة من المراهنة على انخفاض قيمة الجنيه عام 1992 ،حول المخاطر الاقتصادية لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي وكتب فى صحيفة الجارديان البريطانية أن الجنيه قد يهبط أكثر من 20 بالمئة مقابل الدولار الأمريكي وهو انخفاض أكبر من المحقق عام 1992. ومع حلول يوم 24 حزيران يونيو ظهرت نتائج الاستفتاء والتي جاءت عكس معظم التوقعات التي سيطرت على الأسواق المالية، وعلى عكس توقعات معظم المحللين والخبراء، حيث صوت 51.9 بالمئة من الناخبين البريطانيين لصالح انفصال البلاد عن الاتحاد الأوروبي فى مقابل 48.2 بالمئة صوتوا لصالح البقاء ،ودفعت هذه النتيجة رئيس الحكومة إلى تقديم استقالته بعدما خسر الحملة التي كان يقودها لبقاء البلاد ضمن الاتحاد الأوروبي. تم تعيين السيدة تيريزا ماي رئيسة لوزراء بريطانيا بتكليف من الملكة إليزابيث الثانية خلفا لديفيد كاميرون ،ومثل تعيين ماي التي كانت تشغل وزيرة الداخلية فى حكومة كاميرون إنهاء سريع لحالة الغموض السياسي فى البلاد. وأكدت تيريزا ماي اعتزام حكومتها البدء فى إجراءات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي بحلول آذار مارس 2017 ،ولجأت ماي إلى تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة بهدف الحصول على أفضل اتفاقية تضمن مستقبل العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي ،حيث تتيح تلك المادة عامين للحكومة البريطانية لإجراء مفوضات الانفصال قبل دخوله حيز التنفيذ الفعلي.ومن جانيها حذرت معظم المؤسسات الاقتصادية من الآثار المترتبة على هذا الانفصال ،حيث قالت وكالة " موديز " للتصنيف الائتماني إن تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي يؤثر سلبا على التصنيف الائتماني السيادي لبريطانيا،وأشارت الوكالة إن هذه النتيجة تحمل في طياتها فترة طويلة من الضبابية بشأن السياسات ستفرض ضغوطا على الأداء الاقتصادي والمالي للمملكة المتحدة. دفعت هذه النتيجة أيضا المركزي البريطاني فى اجتماع آب أغسطس إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية إلى مستوي قياسي منخفض عند 0.25% ،ويعتبر هذا الخفض هو الأول منذ عام 2009 ،وقرر البنك أيضا توسيع برنامج شراء الأصول بمقدار 60 مليار جنيه إسترليني ليصبح قيمة البرنامج 435 مليار جنيه إسترليني شهريا. اقتصاديا تراجع أداء القطاعات الرئيسية المكونة للاقتصاد البريطاني خلال شهري حزيران / يونيو ، وتموز / يوليو ،مقدمة أسوأ أداء فى عدة سنوات تحت ضغط انخفاض الطلب المحلي والذي سجل خلال تموز / يوليو أدنى مستوى منذ نيسان / أبريل 2009. وفى المقابل تحسن قطاع الصادرات مع استفادت الشركات التي تعتمد على البيع خارج بريطانيا من الانخفاض الواسع للعملة المحلية الجنيه مقابل معظم العملات العالمية.حقق الاقتصاد البريطاني نمو بمعدل 0.4 % خلال الربع الأول من عام 2016 على حسب بيانات المكتب الوطني للإحصاء ،مسجلا تراجعا فى الأداء مع ضعف الطلب المحلي وتراجع إنفاق الأسر ،سجل الاقتصاد نمو بمعدل 0.7 % خلال الربع الأخير من عام 2015. وخلال الربع الثاني المنتهي فى حزيران / يونيو 2016 حقق الاقتصاد نمو على عكس التوقعات بنحو 0.7% ،مع تحسن الطلب المحلي وتعافي مستويات الإنفاق فى البلاد قبل إجراء الاستفتاء التاريخي حول الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. وبعد الاستفتاء تراجع النمو الاقتصادي هامشيا على عكس التوقعات خلال الربع الثالث، مسجلا نمو بمعدل 0.6% ،فى حين توقع الخبراء نمو بمعدل 0.5% ،ومع تحسن أداء القطاعات الرئيسية الصناعية والخدمية وتسارع قطاع البناء من المتوقع أن يتحسن النمو الاقتصادي مجددا خلال الربع الأخير من 2016. وتشير معظم التوقعات بالأسواق المالية إلى تحقيق الاقتصاد البريطاني نمو بنحو 2 بالمئة على مدار العام المنصرم 2016 ،وهي وتيرة تفوق معظم الاقتصادات المتقدمة الأخرى باستثناء الولايات المتحدة. الأمر الإيجابي للاقتصاد البريطاني خلال 2016 هو تحسن مستويات التضخم فى البلاد مع صعود أسعار النفط بالأسواق العالمية ،حيث سجل مؤشر أسعار المستهلكين ارتفاعا بمقدار 1.2 % فى تشرين الثاني / نوفمبر وهو أعلى مستوى منذ تشرين الأول / أكتوبر 2014 ،ساعد هذا التحسن فى انحسار الضغط التضخمية على صانعي السياسة النقدية بالمركزي البريطاني ،ودفعهم إلى تأخير خفض جديد لأسعار الفائدة حتى الربع الأول من عام 2017. وبالانتقال إلى الحديث عن توقعات عام 2017 فلابد من الإشارة إلى إنه عاما مليئا بالتحديات للاقتصاد البريطاني ،خاصة فيما يتعلق بمستويات الطلب المحلي ومشاكل إنفاق الأسر ،بجانب العجز فى ميزان المعاملات الجارية وضعف التجارة والاستثمار العام. وعلى هذا الأساس يتوقع الكثير من خبراء الاقتصاد أن ينخفض النمو الاقتصادي فى بريطانيا إلى أقل من النصف فى 2017 إلى نحو واحد بالمئة. وفى هذه الحالة سوف يلجأ المركزي البريطاني مجددا إلى خفض أسعار الفائدة إلى مستويات الصفر وقد يوسع برنامج شراء الأصول ،لكن هذا الأمر سوف يتوقف بالأساس على تقييم الآثار الفعلية لانفصال البلاد عن الاتحاد الأوروبي ،بالإضافة إلى متابعة مستويات الإنفاق ومتوسط الأجور وتقييم مستويات التوظيف ومعدلات البطالة.ومع خفض أسعار الفائدة البريطانية، سوف تتسع فجوة السياسة النقدية بين بريطانيا والولايات المتحدة، لصالح السياسة النقدية الأمريكية المشددة حيث من المنتظر أن يرفع المركزي الأمريكي أسعار الفائدة لثلاث مرات على الأقل خلال 2017،وفى هذه الحالة فمن المتوقع أن يتهاوي الجنيه الإسترليني لمستويات قياسية جديدة لم يصلها منذ عام 1985 مقابل الدولار الأمريكي. المصدر:fx news